بسم الله الرحمن الرحيم
في أيام الإجازات تكثر الزيجات ولله الحمد والمنة،
لكن حال كثير من الأنام في مثل هذه الأيام يتوجب العظة والذكرى
نصحًا وإرشادًا لأولي الأحلام والنهى.
إن فرحة الإنسان وسروره بالأفراح التي تعود على الشباب بالعفاف
لا تلبث أن تضمحل أو تزول بالكلية
نظرًا لما نشاهده بأعيننا وتصل أخباره إلى أسماعنا وربما صنعته أيدينا وأهلينا من منكرات وخطيئات تعج بها أفراحنا وتمحق بركة أعراسنا،
فتعالوا نلقي الضوء على بعض المخالفات والمنكرات
التي تنغّض على أهل الأفراح أفراحهم وربما قلبت الأفراح إلى أتراح والعياذ بالله، فيقال:
المنكر الأول من منكرات الأفراح:
الإسراف والتبذير الذي يحصل في كثير من الأفراح،
ولقد تعددت صور الإسراف والتبذير وتنوعت مع تقلب السنين والأعوام،
ابتداءً من بطاقات الدعوة والمغالاة فيها شكلاً ومضمونًا وعددًا وطباعة،
وانتهاءً بقصور الأفراح والمباهاة فيها،
بل تطوّر الأمر ببعضهم إلى إقامة حفلات الزفاف بالفنادق بمبالغ طائلة،
وهذا كله يهون أمام الإسراف في المطاعم والمشارب
حيث لم يعد يكتفَى وخاصّة عند النساء بطعام الوليمة
بل هناك ما قبلها وما بعدها أيضًا من لذائذ الأطعمة والحلويات والمشروبات
التي لا يكفيها أحيانًا آلاف الريالات.
لقد غدا الزواج عند الشباب مطلبًا عزيزًا،
بل أصبح شبحًا مخيفًا،
يهابه ولا يجرؤ على القرب منه احدهم،
يتمناه ولا يكاد يحصّله،
حتى إذا طال عليه الأمد وعبثت به الشهوة ورأى الأقران يستسلمون لهذا الواقع المر واحدًا تلو الآخر
عقد العزم على اللحاق بهم والاستمتاع بما أحله الله،
فلا يجد مناصًا من الوقوع في الديون الباهظة،
يتجرع مرارة الإسراف ولا يكاد يسيغها ،
ويتحمل مؤونة التبذير دينًا على عاتقه يستمر به سنوات وسنوات،
ينغّض عليه عيشه وحياته، ويكره معه الزوجة وأهل الزوجة بل والمجتمع من حوله،
حيث كانوا سببًا في إذلاله وإهانته وضياع حاضره ومستقبله.
والسؤال : من الذي اضطره إلى ذلك وأجبره عليه؟
من الذي أرغمه على الإسراف ودعاه إليه؟
إنه أنا وأنت والمجتمع بأسره حين جعلنا الزواج مجالاً للمفاخرة وميدانًا للمكاثرة،
ثم لا نبالي بعد ذلك بمصير النّعم ولا أين يذهب بها،
أفي البطون أم إلى القمامات؟
أأَكلها الناس أم أكلتها السباع والعوافي؟
أوزِّعت على المحتاجين أم على صناديق النفايات؟
لقد أمرنا رسولنا بالوليمة للعرسِ فقال عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه: ((أولم ولو بشاة)) ،
لكن هل يعني ذلك أن نصل إلى ما وصل إليه الحال اليوم من البذخ والإسراف وضياع الأموال؟!
كلا، لقد أخبرنا المولى سبحانه في كتابه فقال سبحانه: ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )
ثم لنتذكر جميعًا إخوةً لنا في الإسلام لا يجدون كسرة الخبز ولا شربة الماء،
ولتتذكر النساء كذلك أخواتهن المسلمات اللاتي يبحثن في بيوت النمل عن حبّة القمح ليأكلنها.
أين أموالنا عن هؤلاء؟!
وبماذا سنجيب ربنا عنهم؟!
أم أنه يهون علينا أن ننفق الأموال في سبيل المظاهر الكاذبة ومجاراة الآخرين بينما لا يهون أن ننفقها في سبيل الله تعالى.
دبر العيـش بالقليل ليبقى** فبقـاء القليـل بالتدبير
لا تبذر وإن ملكت كثيرًا ** فـزوال الكثير بالتبذير
المنكر الثاني من منكرات الأفراح:
إحياء ليلة الزفاف بالغناء الماجن المصاحب لآلات العزف المحرمة،
ويستقدم البعض فرقًا غنائية لأجل ذلك،
يزعمون أنها إحياء تلك الليلة، وهي في الحقيقة إماتة؛
إذ كيف يمكن أن تحيا الليلة بمعصية الله وبالحرام.
إنه والله البلاء والشقاء أن تبدأ أول ليلة في الحياة الزوجية بمعصية الله عز وجل ومخالفة أمر رسوله ،
فماذا نتوقع لزواج كانت أول لياليه معصية لله ولرسوله ؟!
قال النبي: ((ليكونون من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)).
فانظر ـ بارك الله فيك ـ كيف قرن النبي المحرمّات العظيمة الزنا ولبس الحرير على الرجال وشرب الخمر بالمعازف،
وبين أنها تُستحَلّ في آخر الزمان كما هو الواقع اليوم والله المستعان،
وهذا دليل عظيم على شدة تحريم الغناء وآلات اللهو والمعازف بشتى ألوانها وأشكالها.
إن الذي أباحه الإسلام في الزواج هو الضرب بالدف للنساء فقط مع الغناء المعتاد الحسن الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم ولا مصاحبة لآلات اللهو المحرمة، وذلك مشروط بشروط شرعية أهمها أن يكون بين النساء خاصة،
وأن يكون بمعزل عن الرجال،
وأن لا تكون أصواتهن عالية،
لما في ذلك من الفتنة بصوت المرأة،
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الغناء في العرس والدف في العرس أمر جائز بل مستحب إذا كان لا يفضي إلى شر، لكن بين النساء خاصة في وقت من الليل، ثم ينتهي بغير سهر أو مكبر صوت، بل بالأغاني المعتادة التي بها مدح للعروس ومدح للزوج بالحق أو أهل العروس أو ما أشبه ذلك من الكلمات التي ليس فيها شر، ويكون بين النساء خاصة ليس معهن أحد من الرجال، ويكون بغير مكبر، هذه لا بأس بها كالعادة المتبعة في عهد النبي وعهد الصحابة، وأما التفاخر بالمطربات وبالأموال الجزيلة للمطربات فهذا منكر لا يجوز، وهكذا بالمكبرات لأنه يحصل به إيذاء للناس" انتهى كلامه رحمه الله.
المنكر الثالث من منكرات الأفراح:
التصوير إما التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو او بالجولات،
حيث يصور الحفل وتصور النساء وهن في أبهى حلة،
بل ويحتفظ أهل الحفل بالفلم أو بالصور وفيه صور النساء اللاتي حضرن الحفل والزفاف،
وقد تنتقل تلك الصور إلى أرباب الفساد ودعاة الرذيلة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فيستخدمونها في أغراضهم الدنيئة ويستغلونها للتشفي من بعض من يكرهونهم،
وقد ينشرونها في مواقع الإنترنت الفاسدة،
فما شعورك ـ أيها الأب أو الزوج أو الأخ ـ إذا التقط هؤلاء السفهاء الذين يحملون آلات التصوير صورة لابنتك أو زوجتك أو والدتك أو إحدى قريباتك
ثم انتشرت تلك الصورة وتلقّفتها الأيدي فأصبحت مثارًا للفتنة والعياذ بالله؟!
عباد الله، كم حصل بهذا المنكر ألا وهو التصوير في الأفراح من فضائح ومفاسد،
وكم تهدّمت به من أسر وتفرق به من أزواج،
بل كم سفك به من دماء واغتيل به من كرامات،
كم ظلم بسببه العديد من النساء المؤمنات الغافلات عما يراد بهن وما يحاك لهن من قبل المفسدين
الذين قال الله عنهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )
المنكر الرابع :
دخول الأزواج واختلاط الرجال والنساء حيث يدخل الزوج على النساء ويجلس بجوار زوجته على ما يسمّى بالمنصّة، فيشاهد النساءَ ويشاهدنه وكلٌّ في أبهى زينته، وفي ذلك من الفتنة ما لا يخفى، حيث يرى الزوج النساء وهن متبرجات متزيّنات، وقد يكون بينهن من هي أفضل وأجمل من زوجته، مما يؤدي إلى ضعف منزلتها في نفسه وتلاعب الشيطان بقلبه وعقله، وكذلك النساء يَرينَ الزوج وهو في أبهى زينَته وجماله، فتقع الفتنة به والعياذ بالله ، تقول فاطمة رضي الله عنها: (خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال)